عقوبة التحرش بالاطفال في الامارات تُعد من أشد العقوبات في المنظومة الجنائية الإماراتية، إذ ينظر إليها المشرّع على أنها جريمة تمس كرامة الإنسان في أضعف مراحله، وتنال من قيم المجتمع وأمنه الأسري. فدولة الإمارات تتعامل مع أي فعل يُشكّل تحرشًا بالطفل — سواء كان لفظيًا أو جسديًا أو إلكترونيًا — بوصفه جريمة مكتملة الأركان تستوجب الردع والعقاب دون تهاون.
لذلك يستعرض هذا المقال الإطار القانوني الكامل لهذه الجريمة، بدءًا من تعريف جريمة التحرش بالأطفال، مرورًا ببيان ما ورد في قانون حماية الطفل (قانون وديمة)، وصولًا إلى العقوبات المقررة وفق قانون العقوبات الاتحادي.
للتواصل مباشرة مع محامٍ مختص في قضايا التحرش، أرقامنا موجودة في صفحة اتصل بنا.
جدول المحتويات
جريمة التحرش بالأطفال في القانون الإماراتي
تُعد جريمة التحرش بالأطفال في القانون الإماراتي من الجرائم الخطيرة التي تمس النظام العام والآداب العامة، ويعاملها المشرّع بعقوبات مشددة نظرًا لكون المجني عليه طفلًا لا يمتلك النضج أو القدرة على المقاومة أو الإدراك الكامل لطبيعة الفعل المرتكب ضده.
وفقًا لأحكام القانون الاتحادي رقم (31) لسنة 2021 بشأن الجرائم والعقوبات، يدخل التحرش ضمن الجرائم الواقعة على العرض، ويُعرّف بأنه:
“كل فعل أو قول أو إشارة من شأنها أن تخدش حياء الطفل أو تمس كرامته أو تستهدف استثارة غرائزه بأي وسيلة كانت.”
ويُنظر إلى الجريمة باعتبارها اعتداءً على حرمة الجسد والحياء، حتى إن لم تصل إلى درجة الاتصال الجسدي المباشر، إذ يمكن أن تقع بأشكال متعددة مثل اللمس غير اللائق، أو التلميحات اللفظية، أو حتى التواصل الإلكتروني ذي الطابع الجنسي.
أركان جريمة التحرش بالأطفال في القانون الإماراتي
لكي تتحقق الجريمة قانونًا، يجب أن تتوافر الأركان الآتية:
- الركن المادي:
وهو الفعل الملموس الذي يصدر عن الجاني، كلمس جسد الطفل، أو توجيه كلمات خادشة للحياء، أو إرسال صور غير لائقة، سواء كان ذلك في الواقع أو عبر الوسائل التقنية. - الركن المعنوي (القصد الجنائي):
يتمثل في نية المتهم الواضحة في المساس بحياء الطفل أو استغلاله جنسيًا. فإذا ثبت أن الفعل صدر عن طريق المزاح أو دون قصد الإساءة، قد يُغيّر ذلك من التكييف القانوني للجريمة. - صفة المجني عليه (الركن الخاص):
يجب أن يكون المجني عليه طفلًا دون الثامنة عشرة، وفق تعريف القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل، المعروف باسم قانون وديمة.
ويُعتبر توافر هذه الأركان الثلاثة شرطًا أساسيًا لإدانة المتهم، إذ يعتمد القضاء الإماراتي على القصد الجنائي والأدلة المادية معًا لإثبات الجريمة وتقدير العقوبة المناسبة.
عقوبة التحرش بالاطفال في الامارات
تُعد عقوبة التحرش بالاطفال في الامارات من أشد العقوبات في المنظومة القانونية الإماراتية، إذ صنّف المشرّع هذه الجريمة ضمن الجرائم المخلة بالآداب العامة والاعتداء على العرض، لما تمثله من خطر جسيم على الطفل والمجتمع. وقد نصّ القانون الاتحادي رقم (31) لسنة 2021 بشأن الجرائم والعقوبات على أحكام واضحة وصريحة في هذا الشأن.
فقد جاء في المادة (412) من القانون المذكور ما يلي:
“يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من ارتكب فعلًا مخلًّا بالحياء مع طفل، سواء بالفعل أو الإشارة أو القول، وبأي وسيلة كانت، ولو لم يكن الفعل مفضيًا إلى مواقعة.”
كما نصّت المادة (413) على أن:
“تُضاعف العقوبة إذا كان الجاني من أصول الطفل أو من المكلّفين برعايته أو له سلطة عليه، أو إذا استغلّ الجاني ضعف الطفل أو إعاقته أو قلة إدراكه.”
وفيما تفاصيل العقوبة حسب نوع الفعل:
- التحرش اللفظي أو بالإشارة: الحبس لمدة لا تقل عن سنتين وغرامة لا تقل عن 50,000 درهم.
- التحرش الجسدي (اللمس أو محاولة الاعتداء): السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وقد تصل إلى عشر سنوات، مع الغرامة التي لا تقل عن 100,000 درهم.
- التحرش الإلكتروني أو عبر الإنترنت: تُطبّق عليه أحكام المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، وتصل العقوبة إلى الحبس خمس سنوات وغرامة تصل إلى 500,000 درهم.
- التحرش بقاصر من ذوي الإعاقة أو فاقدي الإدراك: تعتبر جريمة مشددة، وتصل العقوبة فيها إلى السجن المؤبد إذا اقترنت باعتداء جسدي أو استغلال واضح.
تشديد عقوبة التحرش بالاطفال في الامارات
يعتمد التشديد في العقوبة على حماية مصلحة الطفل الفضلى، التي تُعد مبدأً دستوريًا راسخًا في دولة الإمارات، إذ ترى الدولة أن حماية القاصرين من أي إساءة هي واجب وطني وأخلاقي قبل أن تكون مسألة قانونية.
كما أن النيابة العامة لا تقبل التنازل أو الصلح في مثل هذه القضايا، لأنها تمس النظام العام ولا تسقط بالتقادم.
قانون حماية الطفل في الإمارات (قانون وديمة)
تُعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة في حماية حقوق الطفل، حيث أصدرت القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل، المعروف باسم قانون وديمة، الذي يشكل منظومة متكاملة لحماية الأطفال من جميع أشكال الإساءة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو الإهمال.
الهدف من قانون وديمة
يهدف القانون إلى تأمين بيئة آمنة وسليمة تضمن للطفل حقه في الحياة والنمو والرعاية والتعليم والحماية من كل ما يعرّضه للخطر. وقد نصت المادة (34) على أنه:
“يُحظر تعريض الطفل لأي نوع من أنواع الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة البدنية أو النفسية أو الجنسية، ويُعد مرتكبها فاعلًا لجريمة يعاقب عليها القانون”.
وبذلك، أصبح التحرش بالأطفال مشمولًا ضمن نطاق الحماية القانونية الخاصة التي يمنحها هذا التشريع، سواء ارتُكب الفعل من أحد الأقارب أو من الغرباء، في الواقع أو عبر الوسائط الإلكترونية.
أبرز حقوق الطفل في قانون وديمة
وفقًا لنصوص القانون، يتمتع كل طفل في الإمارات بالحقوق التالية:
- الحق في الحماية من الاستغلال الجنسي والتحرش: لا يجوز بأي حال تعريض الطفل لأي تصرف يحمل طابعًا جنسيًا، سواء بالفعل أو القول أو الإشارة.
- الحق في السلامة الجسدية والنفسية: تلتزم الجهات الحكومية والأسر والمؤسسات التعليمية باتخاذ كل التدابير الوقائية لحماية الطفل من الأذى أو الإهمال.
- الحق في الخصوصية والكرامة: يُمنع نشر أو تداول أي معلومات أو صور تتعلق بوقائع تخص الأطفال، حفاظًا على كرامتهم وخصوصيتهم.
- الحق في الإبلاغ والحماية القانونية: للطفل أو من يمثله قانونًا الحق في تقديم بلاغ فوري عن أي واقعة تحرش أو إساءة عبر الخط الساخن لحماية الطفل (116111) أو من خلال موقع وزارة الداخلية.
- الحق في الرعاية والتأهيل بعد التعرض للإساءة: يلتزم القانون بتوفير الدعم النفسي والاجتماعي والطبي للطفل من خلال مراكز حماية الطفل التابعة للجهات المختصة.
ملاحظة: يعمل قانون وديمة جنبًا إلى جنب مع قانون العقوبات الاتحادي رقم (31) لسنة 2021، بحيث يحدد الأول حقوق الطفل وآليات الحماية، بينما يحدّد الثاني العقوبات الرادعة لكل من يعتدي على تلك الحقوق.
ففي حالات التحرش بالأطفال، يتم تطبيق أحكام القانونين معًا لضمان تحقيق العدالة وحماية الضحية من أي أذى مستقبلي.
الفرق بين هتك العرض والتحرش بالأطفال في القانون الإماراتي
يخلط كثير من الناس بين جريمة هتك العرض وجريمة التحرش بالأطفال، نظرًا لتشابه الطبيعة الأخلاقية لكلٍّ منهما، لكن المشرّع الإماراتي فرّق بينهما بدقة من حيث طبيعة الفعل والعقوبة المقابلة له.
جريمة التحرش بالأطفال
هي كل فعل أو قول أو إشارة تُوجَّه إلى الطفل بقصد خدش حيائه أو استثارة غرائزه أو المساس بكرامته، حتى وإن لم يحدث أي احتكاك جسدي مباشر. وتقع هذه الجريمة عندما يكون الهدف من السلوك ذا طابع جنسي أو غير لائق، ويكفي مجرد الفعل أو القول أو الوسيلة الإلكترونية لإثباتها.
العقوبة: الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وقد تصل إلى عشر سنوات في الحالات المشددة (وفق المادة 412 من قانون العقوبات الاتحادي رقم 31 لسنة 2021).
جريمة هتك العرض
نصّت المادة (409) من قانون العقوبات على أن:
“كل من هتك عرض إنسان بالإكراه أو بالتهديد أو بالحيلة يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا كان المجني عليه طفلًا لم يتم الثامنة عشرة.”
وبذلك، فإن هتك العرض يُعتبر جريمة أخطر من التحرش، لأنها تتضمن فعلًا ماديًا يمس جسد المجني عليه مباشرةً، وغالبًا ما يُقترن باستخدام القوة أو التهديد أو الاستغلال.
العقوبة: السجن سبع سنوات على الأقل، وتصل إلى السجن المؤبد في حالة هتك عرض طفل.
وفيما يلي جدول يوضح الفرق الجوهري بين الجريمتين:
العنصر | التحرش بالأطفال | هتك العرض |
---|---|---|
طبيعة الفعل | قول أو إشارة أو لمس غير صريح | اعتداء مادي مباشر على جسد الطفل |
القصد الجنائي | نية الإيذاء أو الإثارة الجنسية | نية الاعتداء الفعلي أو الإكراه |
العقوبة | من سنتين إلى عشر سنوات | من سبع سنوات إلى مؤبد |
إمكانية التصالح | غير جائزة لأنها تمس النظام العام | غير جائزة إطلاقًا |
وسيلة ارتكاب الجريمة | فعل مباشر أو إلكتروني | فعل مادي بالإكراه أو القوة |
باختصار، كل هتك عرض يُعد تحرشًا، ولكن ليس كل تحرش يُعد هتكًا للعرض. ويهدف هذا التمييز إلى تصنيف الجريمة بدقة بما يتناسب مع خطورتها، وضمان تطبيق العقوبة العادلة التي تردع الجاني وتكفل للطفل أقصى درجات الحماية القانونية.
عقوبة التحرش بقاصر في القانون الإماراتي (الاعتداء على قاصر)
يولي القانون الإماراتي أهمية قصوى لحماية القاصرين من أي اعتداء أو استغلال، نظرًا لضعف إدراكهم وعدم قدرتهم على مقاومة أو تمييز الفعل الإجرامي. ولذلك، شدّد القانون الاتحادي رقم (31) لسنة 2021 بشأن الجرائم والعقوبات العقوبة بشكل مضاعف عندما يكون المجني عليه قاصرًا دون الثامنة عشرة.
وذلك حسب ما نصت عليه المادة (409) والمادة (412) من القانون، وفيما يلي جدول يوضح العقوبة حسب نوع الجريمة:
نوع الفعل | وصف الجريمة | العقوبة |
---|---|---|
تحرش لفظي أو بالإشارة بقاصر | سلوك غير لائق دون لمس أو تلامس | حبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة لا تقل عن 50,000 درهم |
تحرش جسدي أو لمس بقاصر | لمس متعمّد أو فعل مخلّ بالحياء | سجن من خمس إلى عشر سنوات |
اعتداء جنسي أو هتك عرض قاصر | فعل مادي بالإكراه أو الاستغلال | سجن مؤبد |
استغلال إلكتروني لقاصر | إرسال صور أو محتوى جنسي عبر الإنترنت | حبس حتى خمس سنوات وغرامة حتى 500,000 درهم |
الظروف المشددة للعقوبة
تتضاعف العقوبة في الحالات الآتية:
- إذا كان الجاني من أقارب الطفل حتى الدرجة الرابعة.
- إذا كان الجاني مسؤولًا عن تربية الطفل أو حراسته أو تعليمه.
- إذا كان الطفل من ذوي الإعاقة أو فاقدي الإدراك.
- إذا استُخدمت وسائل تقنية أو إلكترونية لاستدراج أو استغلال الطفل.
حيث يرى المشرّع الإماراتي أن الاعتداء على قاصر لا يُعد مجرد جريمة فردية، بل تهديدًا مباشرًا للقيم الأسرية والمجتمعية، لذلك لا يُقبل فيها الصلح أو التنازل، وتباشر النيابة العامة التحقيق فيها بوصفها جريمة من النظام العام حتى دون تقديم شكوى من ولي الأمر.
الأسئلة الشائعة حول عقوبة التحرش بالاطفال في الامارات
إنّ عقوبة التحرش بالاطفال في الامارات تجسّد رؤية الدولة في حماية الطفولة وصون القيم المجتمعية، حيث يتعامل المشرّع مع هذه الجريمة بأقصى درجات الصرامة والردع. وتُظهر الأحكام القضائية الحديثة أن القضاء الإماراتي لا يتهاون في قضايا التحرش بالأطفال، بل يطبّق القانون بعدالة وحزم لضمان الردع العام والخاص، وترسيخ ثقافة احترام الجسد والكرامة الإنسانية منذ الصغر.
اتصل بنا الآن عبر زر الواتساب أسفل الشاشة للتحدث مباشرة مع محامي في ابوظبي مرخّص مختص في قضايا التحرش بالأطفال في دولة الإمارات، لضمان حماية حقوقك أو حقوق طفلك القانونية.
قد يهمك أيضًا:
- تعرف على عقوبة التحرش الإلكتروني في الإمارات.
- عقوبة التحرش اللفظي في الامارات العربية المتحدة.
تنويه قانوني:
المعلومات الواردة في هذا المقال لأغراض تثقيفية عامة، ولا تُعتبر مشورة قانونية. للحصول على استشارة متخصصة لحالتك الفردية، يُرجى التواصل مع محامٍ معتمد في دولة الإمارات العربية المتحدة.
المصادر:
- القانون الاتحادي رقم (31) لسنة 2021 بشأن إصدار قانون الجرائم والعقوبات.
- القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل (قانون وديمة).
- المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية.
- بوابة التشريعات الإماراتية.

مستشار قانوني في مكتب محامي في أبوظبي.
خبرة +20 عامًا ضمن المجموعة؛ تقاضٍ ونزاعات؛ استشارات في الجوانب التشريعية والأنظمة؛ تميّز في المشورة وإعداد العقود والتفاوض والتسويات.